ملتقى الأشراف المغاربة وبني عمومتهم
صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف (39)
زائرتنا الكريمة , زائرنا الكريم
تفضل بالدخول إذا كنت عضوا معنا
أو تكرم بالتسجيل إذا لم تكن كذلك و ستجد ما يسرك .


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الأشراف المغاربة وبني عمومتهم
صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف (39)
زائرتنا الكريمة , زائرنا الكريم
تفضل بالدخول إذا كنت عضوا معنا
أو تكرم بالتسجيل إذا لم تكن كذلك و ستجد ما يسرك .
ملتقى الأشراف المغاربة وبني عمومتهم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف

اذهب الى الأسفل

صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف Empty صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف

مُساهمة من طرف ???? الجمعة 18 ديسمبر 2009 - 8:46

/______\{}________{}/______\

بسم الــلـه الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام

على مولانا محمد رسول الله, المبعوث رحمة للعالمين

وكافة أنبيائه ورسله وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلام تام بوجود مولانا الإمام

التحكيم بالجملة يشكّل ظاهرة إنسانية عامة وعريقة.

عرفته البشرية منذ فجر التاريخ، منذ كانت الأمم

وكانت الحروب والمنازعات، فلا تختصّ بها أُمّة دون أُمّة

ولاجماعة دون أُخرى، وضع أساساً كطريقة سلمية

من أجل تسوية النزاعات والحروب بين الأطراف المتخاصمة.

وهو إحدى عادات العرب القديمة، فكانت تعمل بها

كثيراً؛ نظرا لطبيعة حياتها في الجزيرة التي تتخلّلها

الحروب والاقتتال على مدار السنة

إلاّ أشهر الحرم المقرّرة.

والمنافرة إحدى صنوف التحكيم التي كانت تلجأ

إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف.

قال أبو عبيد: المنافرة: أن يفتخر الرجلان كلّ واحد

منهما على صاحبه، ثم يحكّمان بينهما رجلاً كفعل عَلقَمة

بن عُلاثة مع عامر بن طُفَيل حين تنافرا إلى هَرَم بن

قُطْبة الغزاري، وفيها يقول الأعشى الشاعر يمدح عامر

بن الطفيل ويحمل على علقمة:

- قد قلتُ شعري فمضى فيكما

- واعتــرفَ المنفـــورُ للنـــافــــرِ

وبعد قيام الدولة الإسلامية استمرت عادة التحكيم

بين المسلمين وظلّت جارية بينهم، فعند وقوع تنازع

بين اثنين منهم في أمرٍ ما تراهما يحكّمان ثالثاً ليحلّ

الخصومة بطريق سلمي يرضاه الطرفان وإن كان أحد

المتخاصمين خليفةً للمسلمين.

فقد أخرج البيهقي بإسناده عن عامر قال:

كان بين عمر وأُبيّ خصومة في حائط، فقال عمر:

بيني وبينك زيد بن ثابت، فانطلقا فطرق عمر الباب،

فعرف زيد صوته ففتح الباب فقال: يا أمير المؤمنين

ألا بعثت إليَّ حتى آتيك، فقال: في بيت يوتي الحكم.

وكذا ماوقع بين عثمان بن عفّان وطلحة بن عبيد اللّه

كما سيأتي.

وهكذا جرت سيرة الناس وحتّى يومنا الحاضر في التحكيم

عند المنازعة والمخاصمة مع بعضهم البعض كسبيل عقلائي

من أجل حلّها بالطرق السلمية الصحيحة.

ذات ليلة، خرج الخليفة عمر بن عبد العزيز

ليتفقد أحوال رعيته، وكان في صحبته شرطي،

فدخلا مسجدًا، وكان المسجد مظلمًا، فتعثر عمر

برَجُلٍ نائم، فرفع الرجل رأسه وقال له: أمجنون أنت؟

فقال عمر: لا. وأراد الشرطي أن يضرب الرجل، فقال

له عمر: لا تفعل، إنما سألني:أمجنون أنت؟فقلت له:لا.

فقد سبق حلم الخليفة غضبه، فتقبل ببساطة أن يصفه

رجل من عامة الناس بالجنون، ولم يدفعه سلطانه

وقوته إلى البطش به.

التحكيم لغةً:

التحكم في اللغة يعني تفويض الحكم إلى الغير ليحكم

فيه. قال الخليل: وحكّمنا فلاناً أمرنا، أي : يحكم

بيننا. وقال الجوهري: حكّمت الرجل تحكيماً

إذا منعته ممّا أراد، ويقال أيضاً: حكّمته

في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه.

حكّمّوه بينهم: أمروه أن يحكم، ويقال:

حكّمنا فلانا فيما بيننا، أي: أجرينا حكمه علينا.

وجاء في المصباح : وحكّمت الرجل: فوّضت الحكم إليه.

التحكيم اصطلاحاً:

فالتحكيم - كما مرَّ - في اللغة هو تفويض الأمر

وجعله إلى الغير، وهو بعينه معناه اصطلاحاً

على ماذكره الفقهاء.

قال الشيخ الطوسي: إذا تراضى نفسان برجل

من الرعية يحكم بينهما، وسألاه الحكم بينهما.

وقال الشهيد الثاني في الروضة: قاضي التحكيم

وهو الذي تراضى به الخصمان للحكم بينهما

مع وجود قاضٍ منصوب.

وفي المسالك قال: التحكيم هو أن يحكّم الخصمان

واحدا من الناس.

وقال القرافي: وأكثر الأصحاب يقولون: إذا حكّم

الرجلان رجلاً ورضوا به...، ولفظ القاضي

عبد الوهاب: إذا حكَّم الرجلان رجلاً من أهل الاجتهاد.

وفي المغني: إذا تحاكم رجلان إلى رجل حكّماه بينهما

ورضياه وكان ممّن للقضاء.

فالتحكيم في اصطلاح الفقهاء هو التراضي الحاصل

بين الخصمين بواحدٍ من الناس والترافع إليه ليحكم

بينهما. ومنه يتّضح أنّه لا فرق يذكر بين المعنى

اللغوي والاصطلاحي.

الفرق بين التحكيم والقضاء:

أمّا التحكيم فقد اتضّح معناه ممّا تقدّم، فلابد الآن

من بيان معنى القضاء لكي يظهر الفرق بينهما.

والقضاء في اللغة: الحُكم. قال الخليل:

قضى يقضي قضاءً وقضيةً أي: حَكمَ.

وقال ابن زكريا في المقاييس: القضاء: الحُكم،

قال سبحانه في ذكر من قال: (فاقض ما أنت قاض) أي:

اصنع واحكمْ، ولذلك سمِّي القاضي قاضياً لأنّه يحكم

الأحكام وينفذّها.

وفي اللسان: القضاء: الحُكم، قال أبو بكر :

قال أهل الحجاز: القاضي معناه في اللغة:

القاطع للأمور المحكم لها، واستقضي فلان أي:

جُعل قاضيا يحكم بين الناس... وفي صلح الحديبيّة:

"هذا ما قاضى عليه محمد" هو فاعل من القضاء

والفصل والحكم، لأنّه كان بينه وبين أهل مكة،

وقد تكرّر في الحديث ذكر القضاء، وأصله: القطع

والفصل، يقال: قضى يقضي قضاءً فهو قاضٍ : إذا حَكمَ

وفَصَل. وأمّا في اصطلاح الفقهاء فهو إمّا الحُكم

وفصل الخصومة بين المتنازعين، قاله الشهيد الثاني

وصاحب الجواهر. وإمّا هو ولاية شرعية على الحكم

في المصالح العامة كما عن الشهيد الأول والفاضل

الهندي والتحقيق يُطلب في مظانّه.

فالقضاء من المناصب، ويحتاج القاضي إلى نصب الإمام،

بخلاف قاضي التحكيم فإنّه يصير حَكَماً بمجرّد تراضي الخصمين

وترافعهما إليه، من دون الحاجة إلى نصبٍ من الإمام.

وأمّا الفروقات الاخرى من جهة الشرائط من اجتهاد

وذكورة وغيرهما فسيأتي بيانه إن شاء الله.

مشروعية التحكيم:

اختلف الفقهاء في مشروعية التحكيم وعدمه

إلى قولين اثنين : الأول: ذهب المشهور إلى جوازه، بل

دعوى الشيخ الطوسي صريحة بالجواز في كتاب الخلاف،

حيث قال: إذا تراضى نفسان برجل من الرعية يحكم

بينهما وسألاه الحكم بينهما كان جائزاً بلا خلاف.

وتبعه الشهيد الثاني في المسالك، حيث قال:

وأمّا التحكيم وهو أن يحكّم الخصمان واحداً من الناس

جامعاً لشرائط الحكم سواء نصّ من له التولية أم لا،

فالمشهور بين الأصحاب جوازه، بل لم يذكروا فيه خلافاً.

بل ظاهر الكشف: الإجماع عليه، حيث قال: لو تراضى

الخصمان بحكم بعض الرعية يحكم بينهما جاز عندنا.

وقال ابن قدامة الحنبلي : إذا تحاكم رجلان إلى رجل

حكّمّاه بينهما ورضياه، وكان ممّن يصلح للقضاء فحكّم

بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما.

وفي الإنصاف : بل جزم به في الوجيز وغيره، وقدّمه

في الخلاصة والرعايتين الكبرى والصغرى والفروع.

وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.

وقد استدلّوا على جواز التحكيم بوجوه كثيرة،

نذكر منها:

1- ما رواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن أبي خديجة

سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبد اللّه جعفر

بن محمد الصادق عليه السلام : إيّاكم أن يحاكم بعضكم

بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم

شيئاً من قضائنا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته

قاضياً فتحاكموا إليه. ورواه الكليني والشيخ

باسنادهما عنه مثله.

2- ما رواه ثقة الاسلام الكليني بسنده عن عمر

بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عن رجلين

من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث،

فتحاكما إلى السلطان والى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال:

من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم

إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً

وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت

وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:

( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا

أن يكفروا به) قلت: كيف يصنعان؟ قال:

ينظران من كان ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا

وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً،

فإنّي قد جعلته عليكم حكما، فإذا حكم بحكمنا

فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله... إلى أن قال:

قلت : فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا

فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلفا

في حكم، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: الحكم

ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث

وأورعهما، ولا يلتفت إلى مايحكم به الآخر...الحديث.

ورواه الشيخ الطوسي بسنده عنه مثله.

3- مارواه الكشّي في رجاله عن العياشي باسناده

عن أحمد بن الفضل الكناسي قال: قال لي أبو عبد الله:

أيّ شيء بلغني عنكم؟ قلت: ماهو؟ قال:

بلغني أنّكم أقعدتم قاضياً بالكناسة، قال:

قلت: نعم جعلت فداك، رجل يقال له:

عروة القتّات، وهو رجل له حظّ من العقل نجتمع عنده

فنتكلّم ونتساءل ثم يردّ ذلك إليكم، قال: لا بأس.

4- ماروي عن النبي(ص) أنّه قال: من حكم بين اثنين

تراضيا به فلم يعدل بينهما فعليه لعنة الله،

فلولا أنّ حكمه جائز بينهما لما توعّده باللعن.

5- مارواه النسائي بسنده عن شريح بن هاني

عن أبيه أنّه لمّا وفد إلى رسول الله (ص) سمعه

وهم يكنـّون هانئاً أبا الحكم، فدعاه رسول الله (ص)

فقال له: إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم،

فَلِمَ تكنّى أبا الحكم؟ فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا

في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضى كِلا الفريقين، قال:

ما أحسن من هذا! فمالك من الولد؟ قال:

لي شريح وعبد الله ومسلم، قال: فمن أكبرهم؟ قال:

شريح، قال : أبو شريح، فدعا له ولولده.

6- ماوقع من تحاكم الصحابة، حيث قال في المسالك:

وقد وقع في زمن الصحابة ولم ينكر أحد منهم ذلك.

ويؤيّده ما أخرجه البيهقي في سننه بالاسناد

عن ابن أبي مليكة قال: إنّ عثمان ابتاع من طلحة

بن عبيد الله أرضا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة

، فلمّا تباينا ندم عثمان ثم قال: بايعتك مالم أره،

فقال طلحة: إنّما النظر لي، إنـّما ابتعت مغيبا،

وأمّا أنت فقد رأيت ما ابتعت، فجعلا بينهما، فحكّما

جبير بن مطعم، فقضى على عثمان أنّ البيع جائز، وأنّ

النظر لطلحة انّه ابتاع مغيبا.

وما قد تقدّم عن البيهقي أيضا في مسألة تحاكم

عمر وأُبيّ على حائط، فحكّما زيد بن ثابت في ذلك.

وما جاء في المغني: وحاكم عمر أعرابيا إلى شريح

قبل أن يولّيه.

7- عمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،

وقد استدلّ الفاضل الهندي في الكشف على مشروعيّته

بما دلّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

8- الآيات الواردة في النهي عن الحكم بغير ما أنزل

الله، والأمر بالحكم بالعدل والحقّ، كقوله تعالى:

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون)

وقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك

هم الظالمون) وقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله

فأولئك هم الفاسقون) وقوله: (واذا حكمتم

بين الناس أن تحكموا بالعدل).

فإنّ المستفاد من إطلاقات هذه الآيات صحّة الحكم بالعدل

والحقّ من كلّ مؤمن ولو لم يكن قاضيا،

وإنّما الذمّ يشمل الحكم بغير ما أنزله الله تعالى

وما أمر به ونهى عنه. وبه استدلّ الفاضل في الكشف.

9- سيرة العقلاء الجارية منذ فجر الإنسان وبعد قيام

الدولة الاسلامية وحتّى الآن باتّخاذ التحكيم وسيلة

سلمية لحلّ المنازعات الحاصلة بين الناس بعدما يتمّ

التراضي بحَكَم، ولم يرد ردع عن ذلك وهو دليل الإمضاء.

10- الإجماع المحكي عن المولى الكني في كتابه قال:

في المفتاح حكاية الإجماع عليه من الخلاف والمجمع

مع أنّ الأخير لم يّدعه صريحا، وفي المسالك والكفاية:

انّهم لم يذكروا فيه خلافا، وفي الرياض:

لم ينقلوا فيه خلافاً أصلاً...

الثاني: عدم الجواز، وعدم نفوذ حكم الحَـكَـم.

قال العلاّمة في التحرير: ولو تراضى خصمان بواحدٍ

من الرعية، وترافعا إليه فحكم، لم يلزمهما الحكم.

ولكنّه رحمه الله قال بلزومه في القواعد والإرشاد.

وحكى صاحب الجواهر عن الروضة قال: هل يجوز أن يحكّم

الخصمان رجلاً غير القاضي؟ وهل لحكمه بينهما اعتبار؟

قولان، أظهرهما عند الجمهور: نعم ، وخالفهم الإمام

والغزالي فرجّحا المنع.

وفي المسالك : ومنع منه جماعة من العامة.

وقد استدلّوا على المنع بوجوه.

اولها: أنّه لو جاز التحكيم يلزم منه تفويت الولاية

على القاضي المنصوب، وتفويت رأيه ونظره. وفيه:

أنّه لا ملازمة بين جواز التحكيم وتفويت الولاية،

إذ القاضي منصوب على القضاوة والحكومة،

وله ولاية على الحكم - كما تقدّم - وإن لم يراجعه

أحد. وأمّا تفويت الرأي فهو كذلك لايلزم

لأنّ التفويت إنّما يحصل في حكم يحكمه ولم يعمل به أحد،

وأمّا فيما لم يحكم ولم ينظر فليس بتفويت، وفيه

مافيه وإلاّ فانّه يلزم من نصب قاضٍ تفويت رأي ونظر

القاضي المنصوب قبله.

ثانيهما: أنّ جواز التحكيم على خلاف الأصل، إذ الأصل

لا حكم لأحدٍ على أحد ولا نفوذ له إلا ماخرج بالدليل.

ويردّه : إنّما الدليل قام على جوازه، وبذلك فقد

خرج عن الأصل بالدليل.

ثالثها: مارواه ثقة الإسلام الكليني بسنده عن سليمان

بن خالد عن أبي عبد الله قال: "اتّقوا الحكومة،

فإنّ الحكومة انّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل

في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ"، ويلاحظ عليه أنّه ليس

فيه مايدل على ذلك وإن كان سنده سالماً عن الخدشة،

خصوصاً وأنّ سليمان هذا قد وثقّه النجاشي والكشيّ -

إذ أنّه يحصر الحكم بالنبي ووصيّه، وهذا يعني أنّ الحاكم

ينبغي أن يكون نبياً أو وصياً أو ماكان منصوباً

من قِبلَ أحدهما، وهذا لا يناسب قولهم بوجوب حصول

تراضي المتخاصمين حتّى لحظة نطقه الحكم لإمضائه،

إذ لو كان الحاكم نبيا أو وصياً أو منصوباً

من قِبلهما لما لزم رضى المتخاصمين لإمضاء حكمه.

شرائط قاضي التحكيم:

ذكروا أنّ لقاضي التحكيم عدّة شروط، منها:

1- العلم: وذلك باشتراط العلم بالحكم الأعمّ

من الواقعي والظاهري ولو بالتقليد.

وتدلّ عليه الروايات المتظافرة الناهية

عن القول بغير العلم، كرواية هشام بن سالم

التي رواها ثقة الاسلام الكليني بسنده عنه قال:

قلت لأبي عبد الله: ماحقّ الله على خلقه؟ قال:

أن يقولوا ما يعلمون، ويكفّوا عمّا لا يعلمون،

فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه.

والناهية عن القضاء بغير علم، كرواية الكليني

أيضا بإسناده عن أبي عبد الله قال: القضاة أربعة:

ثلاثة في النار وواحد في الجنّة: رجل قَضَى بِجَوْرٍ

وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بِجَوْرٍ وهو لا يعلم

فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم

فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة.

ورواه الصدوق والشيخ بمثله.

والناهية عن الإفتاء بغير العلم، كرواية أپي عبيدة

التي رواها الكليني أيضا بسنده عنه قال:

قال أبو جعفر : من أفتى الناس بغير علم ولا هدى

من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر

من عمل بفتياه، ورواه البرقي في المحاسن.

2- البلوغ: وقد يتمسّك لإثبات ذلك مضافا إلى الإجماع

المنقول كما سيأتي - بما مضى من رواية أبي خديجة

سالم الجمّال المتقدمة، حيث قال : "انظروا إلى رجلٍ

منكم" وكذا يدلّ عليه بما دلّ على كون غير البالغ

محجورا في التصرّفات ولو في الجملة، فمن يكون محجورا

عن التصرّف في ماله كيف لا يكون محجوراً عن القضاء؟

قال الشهيد الثاني: واعلم أنّ الاتّفاق واقع على أنّ

قاضي التحكيم يشترط فيه ما يشترط في القاضي المنصوب

من الشرائط. وقال في الروضة: فإنّ استجماعه لشرائط

الفتوى شرط أجماع، وكذا بلوغه وعقله وطهارة مولده

وغلبة حفظه وعدالته. وقال الشهيد الأول في الدروس:

ويشترط استجماع الشرائط.

لكنّه قال في اللمعة: ولابدّ من الكمال والعدالة

وأهلية الإفتاء والذكورة والكتابة والبصر

إلا في قاضي التحكيم.

وفي الجواهر: نعم يتجّه اعتبار ماكان دليله عاماً

لمثله من الشرائط كالبلوغ والإسلام ونحوهما.

وعليه جمهور الفقهاء إلاّ أبا الفرج الشيرازي

فلم يذكره في كتبه، وظاهره عدم اشتراطه.

3- العقل والرشد: وقد ظهر ممّا تقدم أنّ اشتراط العقل

إجماعي كما في المسالك والروضة، والدليل على ذلك

انصراف أدلّة جواز التحكيم عن المجنون والسفيه.

4- الذكورة: ويدلّ عليها - إضافة إلى الإجماع المنقول

- اختصاص الأدلّة بها، فقوله في رواية أپي خديجة:

"ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم"، وفي رواية

ابن حنظلة: "كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا".

فمقتضى الأصل عدم نفوذ صلاحية المرأة لإمامة الجماعة

مطلقا أو للرجال، ومادلّ على عدم كون قيمة شهادتها

كشهادة الرجل.

وقد يستدلّ أيضا بالآيات الدالّة على نقصان مستوى

المرأة: وبالأخصّ قوله تعالى: (أومن يُنشّؤا في الحلية

وهو في الخصام غير مبين).

قال الشهيد الثاني: وأمّا الذكورية فلم ينقل أحد

فيها خلافا، ويبعد اختصاص قاضي التحكيم بعدم

اشتراطها وإن كان محتملا.

نعم أجاز أبو حنيفة وأصحابه أن تكون المرأة قاضياً

في الأموال.

5- طهارة المولد: فقد ادّعي الإجماع على اعتبارها كما

تقدّم في المسالك والروضة. واستدلّ على ذلك في رواية

الحلبي المتقدّمة.

6- العدالة: ويدل على ذلك من وجوه:

الأول: التمسّك بقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين

ظلموا فتمسّكم النار ومالكم من دون الله من أولياء

ثم لا تنصرون).

الثاني: ماتقدّم من رواية أپي خديجة في قوله:

"إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء

من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء

الفسّاق"، فقد ذكر الوصف الذي يشعر بالعلّية

من منع التحاكم صريحاً كما هو واضح.

الثالث: مامضى من قوله في رواية ابن حنظلة:

"الحكم ماحكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما

في الحديث وأورعهما"حيث ذكر الترجيح بالأعدلية صريحاً.

الرابع: التعدّي من دليل اشتراط العدالة في الشاهد

إلى القاضي، فالقاضي بطريق أولى، إذ أنّ الشاهد

الذي دوره أقلّ من دور القاضي بالنسبة إلى فصل

الخصومة وإيصال الحقّ إلى أهله. ومن الروايات الواردة

في اشتراط العدالة في الشاهد: مارواه الصدوق

في الفقيه بسنده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر قال:

كان أمير المؤمنين يقول - من كلام له - : ولا أقبل

شهادة الفاسق إلاّ على نفسه.

ومارواه ثقة الاسلام الكليني بسنده عن عبد الله

بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله: ما يردّ من الشهود؟

فقال: الظنين والمتّهم، قال: قلت: الفاسق والخائن؟!

قال: ذلك يدخل في الظنين. ورواه الشيخ في التهذيب

أيضاً. وما رواه الكليني أيضا بسنده إلى عبد الرحمن

الحجّاج عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين:

لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا.

ورواه الشيخ في كتابيه أيضاً.

إضافة إلى ادّعاء الإجماع عليه كما في المسالك والروضة.

نعم، قال الأصمّ: يجوز أن يكون القاضي فاسقاً وكذلك

الأمير.7 - الاجتهاد: المشهور هو اشتراط الاجتهاد

في قاضي التحكيم عند أصحابنا الإمامية،

وبه قال الشافعي وعبد الوهاب والحنابلة.

ويدلّ عليه قوله في رواية عمر بن حنظلة:

"روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا،

وعرف أحكامنا" ولاشكّ يعني الاجتهاد والفقاهة،

وهذا مافهمه السائل أيضا من كلام الإمام بقرينة

ماجاء في ذيل الحديث من قوله: "أرأيت إن كان

الفقيهان عرفا حكمه".

وقد قيل بعدم اعتبار الاجتهاد فيه، ذهب إليه الشيخ

الجواهري والسيد الخوئي في التكملة ولعلّه هو الأقوى.

واستدلّوا بعدم اعتباره بقوله تعالى:

(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل),

فإنّ المستفاد منه صحّة الحكم بالعدل من كل مؤمن

ولو لم يكن مجتهداً. واستدلّوا أيضاً بقوله في رواية

أپي خديجة: "إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل

الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا

من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيا

فتحاكموا إليه" حيث دلّ على عدم اشتراط الاجتهاد

وكفاية العلم ببعض القضايا ولو عن طريق التقليد.

ولعلّ أقوى هذه النصوص دلالة على المطلوب هو قوله

في رواية القضاة أربعة التي تقدّمت آنفا:

"ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنَّة"

فهي تدلّ بإطلاقها على أنّه في الجنّة، سواء كان علمه

عن طريق الاجتهاد أو التقليد.

﴿وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾.

جزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله.


عدل سابقا من قبل Hakam TAHIRI في الجمعة 18 ديسمبر 2009 - 23:57 عدل 3 مرات (السبب : رجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنَّة)

????
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف Empty رد: صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في منازعاتها في مضمار الحسب والشرف

مُساهمة من طرف إسماعيل المدغري الجمعة 18 ديسمبر 2009 - 11:45

موضوع مميز .
بارك الله فيك .

إسماعيل المدغري
عضو مميز

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 03/12/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى